سورة النور - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النور)


        


{وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} لعجل لكم العذاب وكرر المنة بترك المعاجلة بالعقاب مع حذف الجواب مبالغة في المنة عليهم والتوبيخ لهم {وَأَنَّ الله رَءوفٌ} حيث أظهر براءة المقذوف وأثاب {رَّحِيمٌ} بغفرانه جناية القاذف إذا تاب.
{ياأيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان} أي آثاره ووساوسه بالإصغاء إلى الإفك والقول فيه {وَمَن يَتَّبِعْ خطوات الشيطان فَإِنَّهُ} فإن الشيطان {يَأْمُرُ بالفحشاء} ما أفرط قبحه {والمنكر} ما تنكره النفوس فتنفر عنه ولا ترتضيه {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مّنْ أَحَدٍ أَبَداً} ولولا أن الله تفضل عليكم بالتوبة الممحصة لما طهر منكم أحد آخر الدهر من دنس إثم الإفك {ولكن الله يُزَكّى مَن يَشَاء} يطهر التائبين بقبول توبتهم إذا محضوها {والله سَمِيعٌ} لقولهم {عَلِيمٌ} بضمائرهم وإخلاصهم {وَلاَ يَأْتَلِ} ولا يحلف من ائتلى إذا حلف افتعال من الألية أولا يقصر من الألو {أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ} في الدين {والسعة} في الدنيا {أَن يُؤْتُواْ} أي لا يؤتوا إن كان من الألية {أُوْلِى القربى والمساكين والمهاجرين فِى سَبِيلِ الله} أي لا يحلفوا على أن لا يحسنوا إلى المستحقين للإحسان، أو لا يقصروا في أن يحسنوا إليهم وإن كانت بينهم وبينهم شحناء لجناية اقترفوها {وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ} العفو الستر والصفح الإعراض أي ليتجاوزوا عن الجفاء وليعرضوا عن العقوبة {أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ} فليفعلوا بهم ما يرجون أن يفعل بهم ربهم مع كثرة خطاياهم {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فتأدبوا بأدب الله واغفروا وارحموا، نزلت في شأن أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين حلف أن لا ينفق على مسطح ابن خالته لخوضه في عائشة رضي الله عنها وكان مسكيناً بدرياً مهاجراً، ولما قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر قال: بلى أحب أن يغفر الله لي ورد إلى مسطح نفقته.


{إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات} العفائف {الغافلات} السليمات الصدور النقيات القلوب اللاتي ليس فيهن دهاء ولا مكر لأنهن لم يجر بن الأمور {المؤمنات} بما يجب الايمان به. عن ابن عباس رضي الله عنهما: هن أزواجه عليه الصلاة والسلام. وقيل: هن جميع المؤمنات إذ العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب. وقيل: أريدت عائشة رضي الله عنها وحدها. وإنما جمع لأن من قذف واحدة من نساء النبي عليه الصلاة والسلام فكأنه قذفهن {لُعِنُواْ فِى الدنيا والآخرة وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} جعل القذفة ملعونين في الدارين وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة إن لم يتوبوا، والعامل في {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ} يعذبون وبالياء حمزة وعلي {أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي بما أفكوا أو بهتوا والعامل في {يَوْمَئِذٍ يُوَفّيهِمُ الله دِينَهُمُ الحق} بالنصب صفة للدين وهو الجزاء، ومعنى الحق الثابت الذي هم أهله. وقرأ مجاهد بالرفع صفة لله كقراءة أبيّ {يوفيهم الله الحق دينهم} وعلى قراءة النصب يجوز أن يكون {الحق} وصفاً لله بأن ينتصب على المدح {وَيَعْلَمُونَ} عند ذلك {أَنَّ الله هُوَ الحق المبين} لارتفاع الشكوك وحصول العلم الضروري. ولم يغلظ الله تعالى في القرآن في شيء من المعاصي تغليظه في إفك عائشة رضي الله عنها، فأوجز في ذلك وأشبع وفصل وأجمل وأكد وكرر، وما ذاك إلا لأمر. وعن ابن عباس رضي الله عنه: من أذنب ذنباً ثم تاب منه قبلت توبته إلا من خاض في أمر عائشة. وهذا منه تعظيم ومبالغة في أمر الإفك. ولقد برأ الله تعالى أربعة بأربعة: برأ يوسف عليه السلام بشاهد من أهلها، وموسى عليه السلام من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه، ومريم رضي الله عنها بإنطاق ولدها، وعائشة رضي الله عنها بهذه الآي العظام في كتابه المعجز المتلو على وجه الدهر بهذه المبالغات، فانظر كم بينها وبين تبرئة أولئك، وما ذلك إلا لإظهار علو منزلة رسوله والتنبيه على إنافة محله صلى الله عليه وسلم وعلى آله.


{الخبيثات} من القول تقال: {لِلْخَبِيثِينَ} من الرجال والسناء {والخبيثون} منهم يتعرضون {للخبيثات} من القول وكذلك {والطيبات لِلطَّيّبِينَ والطيبون للطيبات أُوْلَئِكَ مُبَرَّءونَ مِمَّا يَقُولُونَ} أي فيهم و{أولئك} إشارة إلى الطيبين وأنهم مبرؤون مما يقول الخبيثون من خبيثات الكلم، وهو كلام جارٍ مجرى المثل لعائشة رضي الله عنها وما رميت به من قول لا يطابق حالها في النزاهة والطيب، ويجوز أن يكون إشارة إلى أهل البيت وأنهم مبرؤون مما يقول أهل الإفك، وأن يراد بالخبيثات والطيبات النساء الخبائث يتزوجن الخباث والخباث تتزوج الخبائث وكذا أهل الطيب {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} مستأنف أو خبر بعد خبر {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} في الجنة. ودخل ابن عباس رضي الله عنهما على عائشة رضي الله عنها في مرضها وهي خائفة من القدوم على الله تعالى فقال: لا تخافي لأنك لا تقدمين إلا على مغفرة ورزق كريم وتلا الآية فغشي عليها فرحاً بما تلا. وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: لقد أعطيت تسعاً ما أعطيتهن امرأة، نزل جبريل بصورتي في راحته حين أمر عليه الصلاة والسلام أن يتزوجني، وتزوجني بكراً وما تزوج بكراً غيري، وتوفي عليه الصلاة والسلام ورأسه في حجري، وقبر في بيتي، وينزل عليه الوحي وأنا في لحافه وأنا ابنة خليفته وصديقه، ونزل عذري من السماء، وخلقت طيبة عند طيب، ووعدت مغفرة ورزقاً كريماً. وقال حسان معتذراً في حقها:
حصانٌ رزانٌ ما تزن بريبة *** وتسبح غرثى من لحوم الغوافل
حليلة خير الناس ديناً ومنصباً *** نبي الهدى والمكرمات الفواضل
عقيلة حيّ من لؤي بن غالب *** كرام المساعي مجدها غير زائل
مهذبة قد طيب الله خيمها *** وطهرها من كل شين وباطل

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8